المسرح بالوراثة الشرعية

موضوع: المسرح بالوراثة الشرعية 3/11/2008, 17:58

نحو قراءة مغايرة للمسرح المغربي

1- فاتحة الأسئلة المفتوحة:

نحاول،
من غير أي توجس معرفي، أن نقبض على شيء اسمه المسرح.. أو شيء اسمه ظل
المسرح.. أو شيء ثالث يجمع بين المسرح وظله اسمه أيضا بعض تجليات المسرح
في الجغرافيا المغربي وما تطرحه هذه الجغرافيا المحملة بثقل التاريخ من
إكراهات.

- كيف يمكن أن نقبض – تاريخيا ومعرفيا وجماليا – على بعض هذه التجليات؟
-
كيف يتسنى لنا، نحن القابعين في الخرائط البعيدة عن حواضر المسرح وقلاعه
القديمة ومراكزه التاريخية، أن نصوغ مسرحا يشبهنا، من جهة، ويتقاطع مع
المسارح الأخرى، من جهة ثانية؟
- كيف يتأتى لنا، نحن الورثة غير المعترف بهم لفنون الجسد، أن نمتلك فن الجسد بامتياز وننتزع اعتراف الآخر بهذا الامتلاك؟
- كيف نتمكن من إعادة اكتشاف ذواتنا، وفنوننا، وطاقاتنا، من غير إقحام الآخر وسلطته القاهرة؟
- وأخيرا كيف نجعل الآخر يقرأنا برؤية فنية بعيدة عن النزعات الاستعمارية؟

2- البداية الخاطئة: أرشيفنا ومناهجهم:
دعوني
أفتح وإياكم ما سمي تجاوزا "تاريخ المسرح المغربي". ونحن نحاول الاقتراب
من هذا الذي ينغرس فينا ويسكننا منذ الأزل ولا نجرؤ على منحه جنسيتنا، لا
بد وأن نضع في الحسبان، الشرط التاريخي، والشرط الفني الجمالي، والشرط
الوظيفي كعناوين عريضة لاشتغالنا وانشغالنا.
لنبدأ من البداية التي
كانت خاطئة والتي أسست لممارسة صراع الأقنعة. أتحدث هنا عن المسرح بما هو
أبعاد، ومساحات، وإيديولوجيا الشعوب والنخب، وتحديدا عينات الأنتلجانسيا.
هنا بالذات يمكن أن نستخلص الحقائق التالية:
الحقيقة الأولى هي أن أرشيف المسرح المغربي فيه الكثير من البياضات، والمساحات الفارغة، والمقحمات،...
الحقيقة الثانية هي أن هذا الأرشيف لم يكتبه المغاربة، بل جمعه العقل الغربي الإثنوغرافي المسيس بخلفية استعمارية.
الحقيقة الثالثة هي أن السلطة السياسية والثقافية في المغرب تدخلت في فعل التدوين للمسرح وبصمته بميسمها.
الحقيقة الرابعة هي أننا لا نزال أسرى هذا الأرشيف الناقص والمزور.
والحقيقة الخامسة هي أنه لا بد من إعادة النظر في هذا الأرشيف، وبالتالي إعادة قراءته بناء على معطيات جديدة ومناهج أصيلة.

يربط
الكثير من الدارسين ميلاد المسرح في المغرب بالزيارة التي قامت بها بعض
الفرق المسرحية العربية إلى المغرب في بداية العشرينيات من القرن الماضي.
وهذا هو أول إشكال يواجه البداية الخاطئة أي تاريخ ميلاد المسرح في
المغرب. والذين يرجعون نشأة المسرح بالمغرب إلى سبب الزيارة إنما يرهنون،
ليس المسرح وحسب، ولكن أيضا حركية التطور المغربية برمتها، فيجعلون منها
مجرد صدى لصوت حقيقي مشرقي، علما "أن وفود المسرح الحديث من المشرق لم يكن
إلا عاملا مساعدا ومحفزا - من عوامل ومحفزات أخرى - لطاقة ما كان يتمخض في
الرحم المغربي"(1)

يمكن أن نتحدث، وبإسهاب، عن الرحم المغربي من
منظور مسرحي في تعالقه مع التخصيب البيولوجي. الذين يربطون بين زيارة فرق
مسرحية مشرقية ونشأة المسرح بالمغرب كما لو كانوا يعقمون هذا الرحم،
وينفون تجليات الخصوبة في مظاهر البيولوجيا المغربية، وتحديدا بيولوجيا
الإبداع. وهؤلاء ينسون أن المغرب كان ولا يزال ملتقى الثقافات والحضارات
والفنون، ولم يكن في حاجة لزيارة هذه الفرق ليتعرف على أبجديات المسرح. لو
لم يكن المغرب مهيأ لاستقبال هذا الفن، في طبعته الحالية/ الإيطالية، لما
تركت هذه الزيارات لهذه الفرق أي أثر يذكر. لهذا نرى أن أي فكر اختزالي
متسرع لا يخدم المسرح المغربي، وبالتالي لا يخدم الحقيقة.

3- المسرح أبو البشر:
المسرح
أبو الفنون، هكذا سموه لأنه يختصر كل الفنون، بل وكل العلوم، بل وكل
الأنشطة الإنسانية. وبما أنه خاصية يشترك فيها كل الناس من آدم الأب إلى
آدم الحفيد، فإنه أبو السلالة البشرية. ومنذ آدم الأب والإنسان يكابد من
أجل ترسيخ ثقافة التواصل مع الآخر إما بالمبادرة (إرسال إشارات ورسائل) أو
باستقبال إشارات ورسائل وحل شفراتها، وإما بالتفاعل المباشر الذي ينتج عن
الاحتكاك المباشر. لذلك وجدنا هذا الإنسان مقلدا ومحاكيا. أليس المسرح أبو
البشرية؟

لنعد إلى المسرح في المغرب، وهو في تقديرنا مسرحان:
-
النوع الأول هو الذي صادف هوى المغاربة، ووجد عندهم الاستعداد الكامل
والتهيؤ اللازم، فحولوه إلى أداة من بين أدوات أخرى لمحاربة الاستعمار.
- النوع الثاني هو الذي أدخله المستعمر ليلعب الدور التكميلي كقناة إعلامية تبشيرية بحضارة المستعمر الجديدة.

4- المسرح بالوراثة الشرعية:
موجة
المسرح بالتبني أو بالاستنبات، أو بأي شكل آخر هي موجة على مشارف الانكسار
لنعود إلى المسرح بالوراثة الشرعية، فقط علينا النبش في الموروثات، وإرثنا
الثقافي والفني غني، ومنه ما تم اكتشافه والتنبيه له، ومنه ما لا يزال
مغمورا ومسكوتا عنه أو غير مفكر فيه. قبل فرض الحماية على المغرب تسلل
العديد من الإثنوغرافيين الأجانب إلى المغرب تحت أسماء، ومهن، وصفات،
فوقفوا على إرث شعبي لا يقدر بثمن. إلا أن الاختلاف لا يزال قائما حول
مرجعيات هذا الإرث (دائما نختلف حول الأصول ونتفق حول القشور) وتبقى
الفرجات الشعبية هي الأصول الحقيقية للمسرح المغربي، وهي التي يجب تطويرها
وتطويعها وملاءمتها مع قواعد المسرح ونظرياته، وبالتالي يجب تجاوز المنهج
التنقيبي الذي فرضه اثنوغرافيو ما قبل الاستعمار حيث كان الهدف
إيديولوجيا. وفي نفس الوقت يجب تجاوز الآراء التغريبية التي تحاول سجن
المغرب وسجن تراثه في المناهج والنظريات الغربية.

إننا لا نختلف
في أن المسرح بشكله الإيطالي ظل بعيدا عن نسيج الثقافة المغربية المبنية -
مثلها مثل الثقافة العربية - على المرويات السمعية. وهذا لا يمنع من
انفتاحها على المكونات البصرية. ولا ينفي - كذلك - انطواء الأشكال
الفرجوية على بوادر ومؤشرات مسرحية، مثل الحكي - الغناء - الرقص -
الموسيقى - الحركة الارتجالية. ومع ذلك يصر بعض الباحثين والمسرحيين
المغاربة على إبعاد هذه الأشكال عن الطابع المسرحي، مع العلم أنها قريبة
من جوهره، بل هي مسرح بطابع مغربي.. بخصوصية مغربية.. وبمنظور مغربي.

إننا
ندعو إلى إعادة اكتشاف العين المغربية بناء على الصورة السمعية، وبناء على
المرويات المشهدية. هذا الاكتشاف حتما سيعطي للمسرح المغربي عمقه
التاريخي.. "كما نستطيع أن نؤكد أن العرب والمغاربة أبدعوا خلال التاريخ
ألوانا مختلفة ومتطورة من المسرح، وهو بذلك متأصل عندهم"(1)

5- المسرح المغربي: كعكة في وليمة أكالين:
يعري
المسير الخاص بتطور المسرح المغربي عن بعض الالتباسات والاستفهامات، وربما
كان مرد ذلك إلى المرجعية التي يشوبها الكثير من الغموض، بالرغم من وجود
مؤشر دال على وجود مرجعيتين: واحدة عربية إسلامية، والثانية غربية. إلا أن
التقاطع بين إسلامي -غربي في تشكيل رؤية واحدة قد حال دون تحديد المسير
المرجو. وفي إطار التباس ثالث جرت معركة المرجعيات، وبدا المسرح المغربي
كما لو كان كعكة في صحن أكالين كل واحد يريد أن يقتطع ما شاء، من أي مكان
شاء، وفي أي وقت وزمن شاء، وبالطريقة التي يشاء. وبالفعل تمت عملية
التقطيع القيصرية التي أضرت كثيرا بالكعكة نظرا لفوضوية التقطيع، ولعدم
شرعيته، ولأن المقطعين - في غالبيتهم - ليست لهم الأهلية والكفاءة
والأمانة العلمية لممارسة هذه المسئولية.

وهكذا نجد أن حسن
المنيعي يتبنى المرجعية الغربية ويشدد على أننا "نستطيع التأكيد بأن فن
المسرح المغربي والعربي عموما كان فنا مستوردا"(2) في حين ترى الباحثة
نوال بنبراهيم أن المسرح المغربي في جوهره وأصله أشكال مسرحية، وأن هذه
الأشكال الفرجوية تنقسم إلى نوعين: نوع منها "لا تناظر مثيلاتها
الإغريقية"(3) أما النوع الثاني فيسجل "بعض التشابه مع الأشكال المسرحية
البدائية الإغريقية، فيرتبط بما هو طقوسي ويتجلى في فرجات عيساوة وكناوة
وجيلالة"(4) أما محمد أديب السلاوي فقد كان أكثر وضوحا حينما تحدث عن
الأشكال المسرحية فوصفها بأنها كانت الفرجات "التي يتنفس ويبدع من خلالها
الفنانون القص، والحكاية، والمثل، والأسطورة، والأغنية، والرقص، هي مسرحه
الذي سجل عاداته، وتقاليده، واحتفالاته، وحكاياته وأساطيره"(5)

هذه
بعض الآراء سقناها كشواهد على تبيان المواقف والمواقف المضادة. هذه
المواقف تؤثر على النظرة إلى المسرح المغربي في بعده التاريخي. وجل هذه
الآراء متأثر بالمناهج الغربية وزوايا النظر الغربية. ذلك أن الهيمنة
الغربية لم تقتصر على المجالات السياسية والاستعمار الجغرافي، بل امتدت
إلى نهب تاريخ الشعوب، وإعادة كتابته وفق التصور الكولونيالي.
من هذا المنطلق نرى أن إعادة كتابة التاريخ المسرحي المغربي، بل وإعادة كتابة التاريخ الفني المغربي أصبحت ضرورة ملحة.

منقول للأفادة

موضوع: رد: المسرح بالوراثة الشرعية 3/11/2008, 23:08

وااااااااااااااااصل